ممارسوها عاطلون وأرامل ومطلقات
مهن رمضانية بالمغرب.. ذكاء تجاري ومسكنات ضد الفقر
الشباكية مهنة رمضانية بامتياز
الرباطتنتعش مهن موسمية عديدة خلال رمضان بالمغرب، يمارسها العديد من العاطلين وفئة من النساء المهمشات من مطلقات وأرامل، وأيضا أصحاب المداخيل الضعيفة من أجل ربح بعض المال في شهر يعرف رواجا تجاريا كثيفا.
وتشكل مهن بيع حلوى الشباكية وبيع الفطائر من رغائف وبغرير وغيرهما، وأيضا مهنة الخياطة التقليدية والنفار في شهر رمضان دعما ماليا يساعد آلاف الأسر المحتاجة على كسب قوتها بالاعتماد على إمكاناتها الذاتية.
ويعتبر أخصائي في الاقتصاد الاجتماعي أن هذه المهن الرمضانية تقلل أساسا من وطأة البطالة والفقر وتسكن من حدتها بفضل العائدات المالية التي تدرها، كما أنها تؤشر على "ذكاء" ممارسيها الذين يتسمون بموهبة القنص التجاري.
الحرب ضد الهشاشةسيدة مغربية تبيع الرغائف
وتتحول دكاكين ومحلات تجارية كانت مخصصة لمهن أخرى قبل رمضان إلى محلات لبيع حلوى الشباكية في شهر الصيام، وهي حلوى شهيرة يُعرف بها المغاربة ولا تكاد تخلو مائدة إفطار منها.
ويتخلى العديد من الباعة عن مهنهم مؤقتا مثل بيع الخضر والفواكه أو بيع السمك ليتخصصوا في المتاجرة ببيع الحلويات مثل الشباكية و"البريوات" بمختلف أصنافها، بسبب الإقبال الهائل عليها من طرف المغاربة في رمضان.
ولأن بيع الشباكية وباقي الحلويات المعسلة تتيح أرباحا صافية تتجاوز أحيانا عشرة آلاف درهم في رمضان، فإن العديد من الشباب العاطل اتخذوا من هذه المهنة ملجأ لهم من مرارة البطالة والفاقة.
واستثمر عبد الله، شاب جامعي عاطل عن العمل، مبلغا ماليا اقترضه من بعض أقربائه لفتح محل صغير لبيع الشباكية، والتي تعلم أصول إعدادها من أحد صناع الحلوى المحترفين في حيه.
وبالنسبة للسيدة بشرى، بائعة للفطائر، فإنها ترى في شهر رمضان فرصة سانحة للعمل أكثر من ذي قبل نظرا لوفرة الطلبات حول فطائر مغربية معينة تتزين بها موائد الإفطار مثل "البغرير" و"الملاوي" و"المسمن".
وتقف نساء أرامل ومطلقات يعانين من الهشاشة الاجتماعية في نقاط للبيع بالأسواق الشعبية يعرضن ما أبدعته أناملهن من معجنات وفطائر بأسعار مناسبة، دعما لميزانياتهن المادية المُنهكة.
ويعتبر شهر رمضان أيضا فرصة لمهن أخرى لتنتعش وتُبعث فيها الحياة من جديد، مثل الخياطة التقليدية للرجال والنساء، باعتبار أنه خلال هذا الشهر تتزايد الطلبات بكثرة على الأزياء التقليدية من قبيل الجلباب والسلهام و"الجابادور".
وبالرغم من أن استعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة في الاستيقاظ لوقت السحور حدَّ من فعالية مهنة النفار أو المسحراتي بالمغرب، فإن بعض الشباب يصرون على ممارسة هذه المهنة، خاصة بالنسبة لمن لا قدرة لهم على إقامة مشاريع تجارية صغيرة، حيث تكفيهم عطايا الناس وإكرامياتهم.
ذكاء تجاري هائلوحول سمات هذه المهن الرمضانية ومدى استفادة الفرد والدولة من رواجها، أفاد الدكتور عبد المنعم الشرقاوي، الأخصائي في علم الاقتصاد الاجتماعي، أنها مهن تتميز بثلاث سمات رئيسية.
السمة الأولى، وفق الشرقاوي، تتمثل في كونها مهن فرجوية واحتفالية تتخذ طابعا احتفائيا بالنسبة لمعظم هذه المهن التي تنتشر في رمضان، في حين أنها تقل أو تنعدم تماما في غير هذا الشهر الكريم.
والسمة الثانية أنها مهن تساهم في تحسين مدخول الفرد المزاول لها وتطور من قدرات الأسرة اقتصاديا ولو بشكل محدود، لكنها لا تساهم في اقتصاد البلاد إلا بالنزر اليسير جدا.
أما السمة الثالثة فتتبع التي قبلها، حيث أنها مهن غير مُهيكلة وتكاد تكون نوعا من أنواع البطالة "الإيجابية" التي لا تقبل الاستكانة والانتظار، بحسب تعبير المتحدث.
وعزا الشرقاوي انتشار هذه المهن في المناسبات الدينية كرمضان إلى رغبة الفئات المحتاجة في الانعتاق من نيران الفاقة ولو "بشق تمرة"، أي بمهنة كيفما كانت مواصفاتها، فالأهم لدى هؤلاء أنها تدر مدخولا معينا يساعدهم على تلبية حاجياتهم.
وأضاف الباحث أن هذه المهن الرمضانية تعد مُسكنا مؤقتا للهشاشة الاجتماعية، لكنها أيضا مؤشر يدق ناقوس الخطر لكونها تكشف مدى هيمنة القطاعات غير المُهيكلة على نسيج الاقتصاد المغربي.
وأشار إلى بُعْد آخر في ممارسي هذه المهن الرمضانية، باعتبار أنهم يتصفون بما يمكن تسميته الذكاء التجاري، ويمتلكون موهبة القنص الاقتصادي ولو في حدود مستوياته الدنيا.
ويشرح بأن مزاول مهنة بيع الشباكية مثلا في رمضان ما إن ينتهي شهر الصيام ويدخل الموسم الدراسي حتى يملأ محله بالكتب والدفاتر، ثم يحول مهنته إلى بيع الأعلاف وغير ذلك بمناسبة عيد الأضحى، وهكذا يمر العام كله وهو يتكيف مع المناسبات والمواسم الاجتماعية والدينية..