منتدى ثانوية موسى بن نصير : عالم من التميز والابداع
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في منتدى ثانوية موسى بن نصير الخميسات, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى وتطويره للإرتقاء به إلى الأفضل.
منتدى ثانوية موسى بن نصير : عالم من التميز والابداع
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في منتدى ثانوية موسى بن نصير الخميسات, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى وتطويره للإرتقاء به إلى الأفضل.
منتدى ثانوية موسى بن نصير : عالم من التميز والابداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


Lycée Moussa Ibn Noussair Kémisset
 
الرئيسيةأحدث الصوردخولالتسجيلChat
- شكرا لجميع مكتبات مدينة الخميسات التي ساهمت في الاعلان عن هذا المنتدى وباقي المواقع الالكترونية المصاحبة له.
إعلان : * تأتي هذه المواقع والمنتديات كوسيط مساعد للتلميذ على فهم واستيعاب دروسه بطريقة سهلة وجيدة، وهي تتضمن ملخصات الدروس وبعض التمارين التي نسعى من خلالها إلى تنمية قدرات التلميذ على توظيف المعارف والمهارات المكتسبة لديه.
- المنتدى الأول هو منتدى خاص بثانوية موسى ابن نصير وقد تم تقسيمه إلى مستويات دراسية ابتداء من السنة الأولى إعدادي إلى السنة الثانية من سلك البكالوريا، كما أنه بإمكان أي شخص أن يصبح عضوا فيه ويقدم بدوره مواضيعه وأفكاره الخاصة وذلك من خلال مشاركته بها مع باقي الأعضاء والزوار، وفي الأخير نتمنى أن تجدوا ضالتكم في منتدى الثانوية وذلك من خلال معرفة الاستفادة منه بطريقة جيدة وعقلانية. يمكنكم زيارة المنتدى على الرابط التالي : WWW.LMIN.TK
- المنتدى الثاني وهو منتدى عام وقد روعي في انجازه مجموعة من الشروط أهمها جعله كفضاء خاص بالأنشطة الأخرى (الثقافية – الصحية – الترفيهية .....الخ)، والهدف وراء انجازه هو جعله ساحة نقاش وحوار رحب بين الأعضاء الذين ينتسبون إلى أسرة المنتدى والذين يريدون الانتساب إليه. يمكنكم زيارة المنتدى على الرابط التالي : WWW.BEDRYOU.ST.GS
- الموقع الأول وهو موقع خاص باللغة الانجليزية وقد تم انجازه في إطار حل بعض المشاكل التي يواجهها أغلب التلاميذ داخل الفصل وخارجه. ومن أهم مميزات هذا الموقع أنه يحتوي على - دروس- تمارين- فروض وغيرها من الأمور الثانوية التي نتمنى أن تنال إعجابكم، ولإبداء رأيكم اتجاه الموقع الالكتروني ما عليكم سوى النقر فوق كتاب الضيف للموقع ولا تنسوا أبدا، فآرائكم تهمنا. يمكنكم زيارة الموقع على الرابط التالي : WWW.CRETERIA.TK
- الموقع الثاني وهو موقع يشمل بعض الدروس الأدبية والعلمية، وقد تم تقسيمه حسب المواد التالية : - اللغة العربية. – التربية الإسلامية. (قيد الانجاز) – الترجمة. (قيد الانجاز) – الفلسفة. - الاجتماعيات. – الفرنسية. (قيد الانجاز) – الانجليزية. – الاسبانية. يمكنكم زيارة الموقع على الرابط التالي : WWW.CMS2050.TK
والله ولي التوفيق. Bedryou@live.fr : للمزيد من المعلومات راسلونا على البريد الالكتروني التالي
- نرحب بكل الزوار والأعضاء الجدد الذين يريدون الانتساب إلى منتدى ثانوية موسى بن نصير الخميسات. حيث يمكنكم أن تقدموا بدوركم مواضيعكم الخاصة التي تودون المشاركة بها مع باقي الزملاء في المنتدى أو داخل الفصل. وللعلم فقط فهذا المنتدى أنشئ لأجل التلاميذ خاصة والأساتذة عامة وذلك في إطار تخطي جميع الحواجز والمعيقات التي تعترض التلاميذ في الدراسة ولبلوغ حدود المعرفة. ونتمنى أن نكون عند حسن ظنكم
-ليكن في علم الأعضاء أن المنتدى يتوفر على خاصية الحوار المباشر (علبة الدردشة) تم اضافة هذه الخاصية لمشاركة الأعضاء الآخرون والأصدقاء المتصلين داخل المنتدى بالمعلومات والأفكار التي يمكن لعضو ما افادة الآخر بها.

 

 النظرية والتجربة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Benomar Driss
المدير العام
المدير العام
Benomar Driss


عدد المساهمات : 287
نقاط : 915
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : 09/01/2010
العمر : 34
البلد : المغرب
المدينة : الخميسات
الموقع الالكتروني : WWW.LMIN.1FR1.NET
العمل/الترفيه : T.D.B
المزاج : جيد

النظرية والتجربة Empty
مُساهمةموضوع: النظرية والتجربة   النظرية والتجربة I_icon_minitimeالخميس 25 فبراير - 13:56

محاور الدرس:

التجربة والتجريب
العقلانية العلمية
معايير علمية النظرية
المحور الأول: التجربة والتجريب
ماالاشكال المطروح هنا؟ مالقضية التي يتعين معالجتها ومالسؤال أو الأسئلة التي ينبغي الجواب عليها؟
يحظى العلم (وخصوصا العلوم الدقيقة ) بتقدير خاص، حتى الخطاب الديني يستعير القوة الإثباتية للحقائق العلمية. ولو سألنا أنفسنا عن السبب، لأجبنا دون تردد: لإنه يعتمد على التجربة، يقال إذن عن العلم إنه علم تجريبي
ولكن ما المقصود بالتجربة ؟ هل التجربة حكر على العلم !؟ أليست التجربة هي لقاء الواقعي أي مايقع خارج الذات أو يتمايز عنها ؟وعليه ألا توجد التجربة في صلب علاقتنا بالعالم وبالآخرين؟ وإذا صح هذا التعريف الأخير، فما الذي يميز الممارسة التجريبية في العلم عن نظيراتها في باقي مظاهر النشاط المعرفي الإنساني، كالتجربة الروحية أو الجمالية أو العاطفية؟
التجربة ليست حكرا على العلم، لأنها تقع في أساس كل معرفة إنسانية

لتجاوز هذا الإحراج، يتعين علينا الوقوف عند خصوصية الممارسة التجريبية العلمية من أجل إبراز أوجه الاستمرارية أو القطيعة بين المعرفة العلمية خاصة بما هي معرفة تجريبية والمعرفة الإنسانية عامة التي يقال عنها أيضا أنه ثمرة للتجربة
يرى بيكون أن العلم التجريبي لايتجاوز العلم التأملي إلا بخروج الفكر من ذاته واتجاهه نحو الواقع لاكتشاف العلاقات بين ظواهره، لكن الفكر الإ نساني كان دائما متجها نحو الواقع منصتا للعالم الخارجي بانبهار حينا وبخشوع أو يأس أو رجاء حينا آخر، أي أن الممارسة التجريبية، من حيث تعلم من الوقائع، سابقة على نشوء العلم نفسه كما يقول روني طوم !
بعبارة أخرى، إذا كان العلم المعاصر منذ غاليليو وبيكون علما تجريبيا، فمالذي يشكل بالضبط خصوصية الممارسة التجريبية العلمية إزاء مختلف التجارب الأخرى كالتجربة الروحية أو الجمالية أو العاطفية؟...
لنبدأ أولا بتحديد دلالات مفهوم التجربة بوجه عام
في النص التالي يحلل فرديناند ألكييه مفهوم التجربة بوصفه اختبارا لوقائع متمايزة عن الذات في مقابل الخيالات والأماني واختلاقات الذهن، وبذلك فالخاصية الأساسية للتجربة-حسب آلكيي – كامنة في خضوع الذات وسلبيتها وهي تتقبل المعطى، وهذه السلبية موجودة في كل معرفة إنسانية، كما أن عنصر الخضوع والتلقي يجعل من كل تجربة معاناة وتحملا. وينتهي آلكيي إلى أن واقعة ما أو إحساسا أو فكرة أو حقيقة لا تكون معطاة من طرف التجربة إلا عندما تكون موضع معاينة خالصة تستبعد كل اصطناع أو تدخل أو بناء من طرف الفكر.
نص فيرناند ألكيي : مفهوم التجربة
التقبل السلبي. تلك هي الخاصية التي توصل إليها الفلاسفة بعد تحليلهم لتجاربنا والتي حددوا بها مفهوم التجربة وميزوها عن الاختراع والابداع والخيالات والأماني. وبالفعل، أليس الحديث عن التجربة حديثا عن اختبار لغرابة حقيقية، وأن ما أفادنا وعلمنا هو بالضبط ماصدمنا وماعاكس طريقنا وأجبرنا على تغيير أوهامنا وأحكاما المسبقة والتخلي عن اليقينيات الوثوقية المكتفية بذاتها التي نتخدها غالبا منطلقا لنا؟ وحتى لو قمنا بتأويل التجربة وفهمها، فإنها تنطوي باستمرار على شيء من الخضوع ، أي خضوع الأنا. ولذلك تقترن التجربة عادة بالفشل؛ وكأن الألم ضروري لكي نغير مواقفنا من الحياة. هناك معارف لاسبيل غير المعاناة لتحصيلها ، إن خاصية المعاناة (التحمل) هو العلامة المميزة للموضوع الواقعي التي تسمح بتمييزه بشكل إيجابي...
والتجريب العلمي نفسه لايستحق نعت تجربة إلا لأنه وفي أكثر لحظاته فعالية إنما يمهد ويعلن عن لحظة السلبية التامة: أي اللحظة التي نكتفي فيها بتقبل واستقبال الواقعة التي تمثل جوابا بالنسبة للنشاط الفكري . صحيح أن الواقعة العلمية واقعة محددة بقوانين وفرضيات وبنسق فكري كامل، بيد أنها مع ذلك لاتكون واقعة إلا إذا انطوت على معطى [قائم بذاته ]غير قابل للإختزال (...)
نستطيع إذن أن نمنح لكلمة "تجربة" معنى دقيقا فنعلن أن أن واقعة ما أو إحساسا أو فكرة أو حقيقة تكون معطاة من طرف التجربة عندما تكون موضع معاينة خالصة تستبعد كل اصطناع أو تدخل أو بناء من طرف الفكر. بيد أن هذا مثل هذا التعريف يفتقر إلى الصفة الواقعية مادام ان مساهمة المعطى الخارجي تمتزج دائما بشيء من الاستجابة الفكرية الفعالة
يشير المفهوم الفلسفي للتجربة إذن إلى "تجربة خالصة" لاتجريب فيها أبدا؛ تدل كلمة "تجربة" على ذلك عنصر السلبية الموجود في كل معرفة إنسانية
Ferdinand Alquié, L'experience, PUF, 1957 pp.3-5
Cité par A.Rousel et G.Durozoi, Philosophie Notions et textes Nathan 1979 p156

2-الممارسة العلمية قائمة على "تجريب" لا مجرد "تجربة"
==
إذا كانت التجربة في معناها العام خضوعا سلبيا للمعطى الخارجي وموجودة في كل معرفة إنسانية، فهل تنسحب هذه الدلالة على الممارسة التجريبية في حقل المعرفة العلمية؟
لننصت إلى العلماء أنفسهم، إلى عالم الفيزيولوجيا الفرنسي كلود برنارد، أحد آباء المنهج التجريبي ومنظريه، وهو يصف ممارسته التجريبية، حيث يتضح جليا أن التجريب العلمي ليس مجرد خضوع للمعطى بل إخضاع للمعطى، ليس مجرد إنصات، إنه استنطاق
وهنا يتضح التمييز - التي دعا إليها ألبير جاكار - بين التجربة بما هي جماع ملاحظاتنا للظواهر التي تعطانا من قبل الطبيعة على نحو مباشر، وبين التجريب الذي هو ملاحظة لاستجابات معطيات العالم الواقعي ، حينما نخضعها لشروط منظورة وموجهة من طرف فكرنا
نص كلود برنار : الممارسة العلمية تجريب لا مجرد تجربة
ذات يوم، أحضر لي أحدهم أرانب اقتناها من السوق. وحين وضعتها على منضدة المختبر تبولت، فلاحظت بالصدفة أن بولها صاف وحمضي. واسترعاني ما لاحظته، لأن بول الأرانب يكون، عادة، مكدر اللون وغير حمضي ، باعتبار أنها حيوانات عاشبة، في حين أن بول الحيوانات اللاحمة يكون، كما هو معلوم، صافيا وحامضا. وقد قادتني ملاحظتي للحموضة في بول الأرانب إلى تصور أن هذه الحيوانات قد أخضعت لنظام غذائي يناسب الحيوانات اللاحمة. فافترضت أن من الأرجح أنها لم تذق الطعام منذ فترة طويلة، وأنها تحولت، بفعل الإمساك الطويل عن الأكل ، إلى حيوانات لاحمة تقتات من دمها لكي تعيش. ولم أجد أمرا أيسر من التحقق، بواسطة التجربة من صحة هذه الفكرة المفترضة أو هذه الفرضية. فقدمت ‏طعاما من العشب للأرانب، وبعد بضع ساعات لاحظت أن بولها أخذ يتكدر وأصبح غير حمضي. ثم أخضعت نفس الأرانب للإمساك عن الطعام ، وبعد مرور أربع وعشرين ساعة أو ست ثلاثين ساعة على أقصى تقدير، استحال بول الأرانب، مرة أخرى، إلى الصفاء والحموضة الشديدة، ثم تحول، من جديد، إلى بول مضطرب اللون وغير حمضي، حين قدمت لها عشبا. وكررت هذه التجربة البسيطة ‏مرات عديدة، فكنت أحصل ، دوما، على نفس النتيجة. وكررت هذه التجربة على الخيول، وهي كذلك حيوانات عاشبة، بولها مكدرا اللون وغير حمضي، فاكتشفت، أن إمساكها عن الطعام، ينتج حموضة مفاجئة في بولها، وزيادة مهمة نسبيا في مادة "الأوريا" Urée (مادة بلورية توجد في بول الحيوانات اللاحمة)، إلى درجة أنها كانت تتبلر، أحيانا، بشكل تلقائي في البول بعد برودته. وهكذا خلصت على إثر تجاربي، إلى هذه القضية العامة التي لم تكن معروفة حينها، ومؤداها أن كل الحيوانات تتغذى باللحم، عند إمساكها عن الطعام، بحيث يغدو بول الحيوانات العاشبة مشابها لبول الحيوانات اللاحمة.
كلود برنار- مدخل لدراسة المنهج التجريبي ص 216-217 نقلا عن "مباهج الفلسفة"

يقدم هذا النص تجربة علمية تكاد تكون غاية في النموذجية و الوضوح لمفهوم التجريب كما يتجلى في مراحل المنهج التجريبي:
1- لاحظت بالصدفة ...
يبدو وكأن شرارة البحث العلمي تنقدح من ملاحظات عفوية تثير انتباه العالم، بيد أن الصدفة كما يقول باستور لا تواتي سوى العقول المتيقظة

2- استرعى انتباهي ما لاحظته ...
حصول تعارض بين معطيات الملاحظة والمعارف العلمية السابقة، والواقع أن هذه الأخيرة هي التي تعطي للملاحظات دلالتها العلمية، وتنتقل بالموضوع من "موضوع واقعي" إلى "موضوع-معرفة"

3- فافترضت أن ...
اقتراح تفسير للملاحظة. تقول هذه الفرضية أن الأرانب وهي حيوانات عاشبة قد خضعت لنظام غذائي شبيه بالنظام الغدائي للحيوانات اللاحمة. ذلك أن الإمساك الطويل عن الطعام جعلها تقتات من مخزونها

4- لم أجد أيسر من التحقق بواسطة التجربة...
• فقدمت ...
• لاحظت ...
• ثم أخضعت ...
• وكررت... للتأكد من دور مختلف العوامل
-فكنت أحصل ...
-فاكتشفت...
تشير مختلف هذه الإجراءات إلى البروتوكول الذي يتم وفقه التجريب، ويستهدف كل هذه الإجراءات التحقق من صحة الفرضيات واختبار التنبؤات التي تستنبط منها

5ـ- وهكذا خلصت.. إلى هذه القضية العامة ... ومؤداها أن كل الحيوانات ...
مرحلة الاستنتاج أو صياغة القانون العلمي الذي يتضمن بالضرورة نوعا من التعميم:لم يجر كلود برنار تجاربه سوى على الأرانب والخيول لكنه عمم نتائج التجريب على كل الحيوانات العاشبة
في مقام آخر من كتابه مدخل لدراسة الطب التجريبي، يجمل كلود برنار بنفسه المراحل السابقة محددا خصائص التجريب العلمي قائلا إن عقل العالم يوجد دوما بين ملاحظتين:
الملاحظة الأولى تسمح للعالم بالتعرف على الظاهرة ومعاينتها، وتولد في ذهنه سلسلة من الاستدلالات هدفها تفسير الوقائع الملاحظة بواسطة مجموعة من المبادئ والفرضيات ثم تصور عدة تجريبية لاختبارها
الملاحظة الثانية تواكب التجريب وتعقبه، حيث يقوم العالم بمعاينة النتائج التي أحدثها تدخله في الظاهرة المدروسة لكي يسجل جواب الظاهرة على سؤاله

خلاصة:
يتضح من هذا المثال أنه إذا كانت التجربة بمعناها العام هي مايحدث لنا فإن التجريب العلمي هي ما يحدثه العالم، الذي لا يكتفي بالإنصات للواقع بل يستنطقه محدثا خللا في الظاهرة المدروسة ومسجلا ردود أفعالها؛ وإذا كانت التجربة تلقيا، فإن التجريب حوار.
و عن هذا الحوار، يقول بريغوجين وستانجر في مؤلفهما المشترك "العهد الجديد، تحولات العلم":
نص ستانجر وبريغوجين : الحوار التجريبي
أثبت العلم الحديث قدرته على أن يقيم وبشكل منهجي حوارا تجريبيا مع الطبيعة. وهذا الحوار التجريبي ممارسة فاعلة وليس مجرد ملاحظة سلبية. إذ يتعلق الأمر بإعادة إخراج الواقع الفيزيائي وتشكيله ليتطابق ما أمكن مع الوصف النظري. يتم ذلك من خلال تحضير الظاهرة المدروسة وتنقيتها وعزلها إلى أن تطابق وضعية مثالية غير متحققة فيزيائيا ولكن معقولة من حيث أنها تجسيد للفرضية النظرية التي توجه مختلف الاجراءات التجريبية. وهكذا فالعلاقة الوثيقة بين التجربة و النظرية تنجم من كون التجريب يخضع السيرورات الطبيعية لاستنطاق لايكتسب كامل معناه إلا انطلاقا من فرضية تتناول المبادئ التي تخضع لها هذه السيرورات وبالنظر إلى مجموعة من الافتراضات الأولية المتعلقة بسلوكات لايعقل نسبتها إلى الطبيعة
ILYA PRYGOGINE ISABELLE STENGERS, LA NOUVELLE ALLIANCE, METAMORPHOSE DE LA SCIENCE, Gallimard 1979 p 48

وباختصار شديد:أين يكمن التقابل إذن؟
إنه قائم بين موقف تجريبي منفعل وموقف تجريبي فاعل (التجريب)، بين صدمة الفكر أوإنصاته للعالم الخارجي وهجومه عليه واستنطاقه إياه
تناقض قائم قائم بين تجربة تحدث لنا وتجريب يحدثه العالم
كما لو أن التجارب الجمالية والروحية والعاطفية ... هي نماذج لتجربة منفعلة في حين أن التجريب هو تجربة فاعلة

إشكاليةالمحور الثاني: العقلانية العلمية

نعود مرة أخرى إلى عبارة "علم تجريبي" لنتساءل: إذا كان التجربة هي مايميز العلم، فما حظ العقل ؟ وماذا طبيعة هذا العقل، أي ماطبيعة العقل العلمي ؟
تبين لنا في المحور الأول أن التجريب العلمي حوار، يتأسس على خطة وافتراضات، أي على بناء نظري /عقلي يتم على ضوئه مساءلة التجربة وتأويل أجوبتها
نريد في هذا المحور أن نركز أكثر على طبيعة العقل ووظائفه كما تفرزهما الممارسة العلمية، وكذا التأمل أيضا في نمط اشتغال العقل داخل ذلك الحوار التجريبي الذي تقيمه العلوم الحقة مع الطبيعة
ماطبيعة العقلانية العلمية؟ قبل أن تجيب الابستملوجيا المعاصرة على هذا السؤال، فقد أجاب عنه تاريخ الفلسفة من قبل، فيما يسمى بالنزعة العقلانية وخصيمتها التجربيبة، مما يفرض علينا سؤالا إضافيا: إذا كنا نتحدث اليوم عن عقلانية علمية، فما الفرق بينها وبين العقلانية أي ذلك المذهب الفلسفي المعروف؟
1- هل العقلانية العلمية نسخة معدلة للعقلانية الفلسفية أو المذهب العقلاني؟
بعد أن خفت الحماس التجريبي الذي واكب انبعاث العلم الحديث، ومع الاعتماد المتزايد على الصياغة والمعالجة الرياضية، ومع فقدان الموضوع الفيزيائي لطابع الشيئية في الميكروفيزياء...، انبعث مجددا مايسميه إينشتاين بحلم القدماء والمقصود به قدرة العقل على معرفة قوانين العالم الفيزيائي: ماذا يستطيع العقل متمثلا في البناء الرياضي أن يعرف؟ هل الرياضيات أداة كشف أم مجرد أداة للتعبير والصياغة؟
يوجد شبه إجماع بأن العقلانية العلمية تنفصل تماما عن العقلانية الفلسفية الكلاسيكية في صيغتها المكتملة والشامخة مع كانط، من حيث تخليها النهائي عن فكرة العقل كمضمون أو كبنية سطاتيكية مغلقة ونهائية قوامها مبادئ فطرية أو قبلية خار ج التاريخ. ولكن هل يعني ذلك قطيعة تامة بين العقلانيتين؟
ولكن إذا ماخلصنا العقلانية الكانطية من الطابع القبلي لمقولات العقل، فإن العقلانية العلمية كما فهمها إينشتاين والكثير من الإبستملوجيين الفرنسيين ليست سوى إنجاز أومواصلة للمشروع الذي وضعه كانط في مقدمة الطبعة الثانية من نقد العقل الخالص، في قوله: "لايرى العقل إلا ماينتجه هو وفق خططه الخاصة، وأن عليه أيضا أن يرغم الطبيعة على أن تجيب على أسئلته، لا أن ينقاد بحبال الطبيعة وحدها."
ويترجم روبير بلانشيه الوجه الجديد للعقلانية في هذه العبارات: “هكذا يعمل العقل على جعل التجربة تتوافق مع مفهوم النظام القبلي الذي يبدو في ظاهره مفهوما مناقضا للتجربة، شريطة أن ينزع العقل عن القبلي مايتضمنه من إطلاق وثبات، لئلا يستبقي من القبلية سوى فكرة وجود شرط يفرضه العقل بإيعاز من التجربة، من أجل تفسير معطيات هذه التجربة”
(مباهج ص 74)
نص إينشتابن: الطابع المبدع والخلاق للعقلانية العلمية
يدافع إينشتاين في النص التالي عن الطابع الابداعي للعقلانية العلمية ويضع المبدأ الخلاق في العقل والرياضيات مادام تاريخ العلم الحديث يشهد بأن الطبيعة أجابت دائما على أسئلة مصاغة بلغة رياضية؛ ويلتقي بذلك مع التصورات الابستملوجية التي لم تعد تعتقد في قدرة التجريب وحده على التحليل السببي للظواهر.
لاينكر إينشاتن أهمية التطابق مع التجربة كمعيار لتحديد فائدة الإنشاءات العقلية التي تظل بدون ذلك مجرد بناءات عقلية حرة، بيد أنه لايخفي مع ذلك ثقته في قدرة العقل على معرفة قوانين العالم الفيزيائي وتقديم صورة أكثر دقة عن هذا العالم الذي يشبه ساعة يدوية لاسبيل إلى فتحها، بل يتعين إنطلاقا من شكلها ومحيط دائرتها المتدرج وحركة العقارب والنبضات بناء أنساق ونماذج أقرب ماتكون إلى تمثيل الميكانيزم الداخلي المسؤول عن هذه المظاهر،
تبدو العقلانية العلمية مع أينشتاين تصديقا لحلم القدماء وطموحهم لفهم الواقع إنطلاقا من الفكر الخالص.،
نص أينشتاين : العقل الخالص قادر على معرفة الواقع
‏إن كانت التجربة في بداية معرفتنا للواقع وفي نهايتها فأي دور يتبقى للعقل في العلم؟ إن نسقا كاملا من الفيزياء النظرية يتكون من مفاهيم وقوانين أساسية للربط بين تلك المقاهيم والنتائج التي تشتق منها بواسطة الاستنباط المنطقي وهذه النتائج هي التي يجب أن تتطابق معها تجاربنا الخاصة.
‏هكذا نكون قد عينا لكل من العقل والتجربة موقعه ضمن نسق الفيزياء النظرية، فالعقل يمنح النسق بنيته؛ أما معطيات التجرية وعلاقاتها المتبادلة فيجب أن تطابق بدقة نتائج النظرية.
‏وتستند قيمة مجموع النسق وتبريره على إمكانية ذلك التطابق فقط، وبالضبط، التطابق بين المقاهيم الأساسية والقوانين القاعدية، والا بقيت مجرد إبداعات حرة للعقل البشري دون أي مبرر قبلي سواء من طبيعة العقل البشري أو من أية طبيعة كانت.
‏وتمثل المقاهيم والقوانين الأساسية التي لا يمكن الدفع باختزالها المنطقي أكثر، الجزء الضروري في النظرية والذي لا يمكن استنباطه عقليا . ولا شك أن الهدف الأسمى لكل نظرية هو العمل على تبسيط وتقليص عدد تلك العناصر الأساسية غير القابلة للاختزال قدر الإمكان، دون أن يعني ذلك التخلي عن إمكانية تمثيل ولو معطى واحدا من التجربة تمثيلا ملائما ( .. .)
‏إنني متيقن أن البناء الرياضي الخالص يمكننا من اكتشاف المقاهيم والقوانين التي تحكمها والتي تمكننا من مفتاح فهم الظواهر الطبيعية. طبعا يمكن للتجربة أن ترشدنا في اختيار المفاهيم الرياضية التي سنستعملها، إلا أنها لا يمكن أن تكون هي المنبع الذي تصدر عنه. صحيح أن التجربة تمثل معيار المنفعة الوحيد للبناءات الرياضية في للفيزياء، بيد أن المبدأ الخلاق الحقيقي يوجد في الرياضيات.
‏وبمعنى ما ، إني أصادق على أن الفكر الخالص قادر على فهم الواقع، كما كان يحلم بذلك القدماء.
A Einstein, sur la methode de la physique theorique 1933
Cité par L.Hansen-love et F. Khoddos , Philosophie erminale T1 Hatier 1989 p367

2- المعرفة العلمية معقولةولكنها ليست عقلانية
ولكن ألا يسقطنا موقف إينشتاين في مزالق تصور مثالي للعقلانية العلمية؟ وهو المنزلق الذي يتهدد كل التصورات العقلانية قديما وحديثا، وذلك عندما يعتقد أن للعقل قوة خاصة به، يكتشف بواسطتها القوانين العامة للعالم الفزيائي؟
ألا ينبغي التشديد بالمقابل على الخاصية التجريبية للعقلانية العلمية؟
يرى رايشنباخ أن المعرفة العلمية معقولة ، ولكنه ينكر أن تكون عقلانية إذا فهم من هذه الأخيرة ذلك المذهب الفلسفي الذي تجعل العقل مصدرا لمعرفة العالم الفيزيائي
إن المعرفة العلمية معقولة لأنها تستخدم العقل مطبقا على مادة الملاحظة، مادام أن الملاحظة التجريبية هي مصدر للحقيقة عند رايشنباخ وغيرهم من فلاسفة الوضعية المنطقية، لكنها ليست عقلانية لأنها لا تتخد العقل مصدرا للمعرفة التركيبية المتعلقة بالعالم. ويرى رايشنباخ أن القرنين التاسع عشر والعشرين قد هيأ أخيرا وسائل تنفيد برنامج الفلسفة التجريبية القائل بأن كل حقيقة تركيبية تستمد من الملاحظة وأن كل امايسهم به العقل في المعرفة ذو طبيعة تحليلية.
وإذا كانت نجاحات المنهج الفرضي الاستنباطي في الرياضيات وفي الفيزياء اللنظرية تغذي ضروب الثقة في العقل، فإن رايشنباخ لايفوته أن يعتبر علماء الرياضيات أكثر من غيرهم عرضة للسقوط في تصور صوفي مثالي للعقلانية العلمية لما يعاينونه في علمهم من نجاح لمنهج الاستنباط المنطقي والاستبصار العقلي المستغني عن الإدراك الحسي.
إن الرياضيات شأنها شأن المنطق معرفة تحليلية، بيد أن معرفة الواقع الفيزيائي تستدعي معرفة تركيبية لا غنى لها عن الملاحظة.
وهكذا ينتهي الوضعية إلى تصور "أقل عقلانية" للعقلانية العلمية
نص هانز رايشنباخ : المعرفة العلمية معقولة وليست عقلانية
يطلق على نوع الفلسفة التي تجعل العقل مصدرا لمعرفة العالم الفيزيائي إسم المذهب العقلي، وينبغي أن نميز بدقة بين هذا النمط، وكذلك الصفة المشتقة منه، وهي عقلاني، وبين لفظ معقول. فالمعرفة العلمية يتم التوصل إليها باستخدام مناهج معقولة لأنها تقتضي استخدام العقل مطبقا على مادة الملاحظة. غير أنها ليست عقلانية، إذ أن هذه الصفة لاتنطبق على المنهج العلمي، وإنما على المنهج الفلسفي الذي يتخد من العقل مصدرا للمعرفة التركيبية المتعلقة بالعالم، ولايشترط ملاحظة لتحقيق هذه المعرفة.
‏وفي كثير من الأحيان يقتصر إسم المذهب العقلي في الكتابات الفلسفية، على مذاهب معينة في العصر الحديث، بينما يطلق على المذاهب ذات النمط الأفلاطوني اسم المثالية تمييزا لها عن السابقة. على أننا سوف نستخدم اسم المذهب العقلي، بالمعنى الواسع دائما، بحيث يشمل المثالية. ويبدو أن لهذا الجمع ما يبرره، لأن نوعي الفلسفة متماثلان من حيث إنهما ينظران إلى العقل على أنه مصدر مستقل لمعرفة العالم الفزياثي. . . ويبدو من المفهوم أن العالم الرياضي يكون أكثر من غيره تعرضا للتحول إلى المذهب العقلي. ذلك أنه حين يدرك مدى نجاح الاستنباط المنطقي في مجال لا يحتاج إلى الرجوع إلى التجربة .. تكون النتيجة نظرية للمعرفة تحل فيها أفعال الاستبصار العقلي محل الإدراك الحسي، ويعتقد فيها أن للعقل قوة خاصة به، يكتشف بواسطتها القوانين العامة للعالم الفزيائي. وعندما يتخلى الفيلسوف عن الملاحظة التجريبية بوصفها مصدرا للحقيقة، لا تعود بينه وبين النزعة الصوفية إلا خطوة قصيرة . فإذا كان في استطاعة العقل أن يخلق المعرفة ، فإن بقية النواتج التي يخلقها الذهن البشري يمكن أن تعد بدورها جديرة بأن تسمى معرفة . ومن هذا المفهوم ينشأ مزيج غريب من النزعة الصوفية ‏والنزعة الرياضية .
‏هانز رايشنباخ، نشأة الفلسفة العلمية، ترجمة فؤاد زكرياء. المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت - ط 2 ‏- 1979 ص: 40 ‏- 41 نقلا عن "مباهج الفلسفة"

خلاصة:
رأينا أن التفكير في طبيعة العقلانية العلمية يقود إلى مراجعة الطابع القبلي الثابت لمبادئ العقل، لكنه يفتح مجددا السجال بين النزعتين العقلانية والتجريبية وقد اتخدت هذه الأخيرة إسم الوضعية
المحور الثالث: معايير علمية النظريات

لنتأمل للمرة الأخيرة عبارة "علم تجريبي" ولنسأل أنفسنا: متى تكون نظرية ما علمية؟ والجواب البديهي: عندما تطابق الواقع، ويتم التحقق منها بواسطة التجربة
وهو جواب صحيح إلى حد بعيد، مادام الواقع الذي يحاوره العلم من خلال التجريب هو موضوع وهدف النظريات العلمية. ولكن، بأي معنى يتم التحقق من النظريات العلمية، وهل هذا التحقق ممكن في جميع الأحوال؟ وماهي حدود التحقق إذا علمنا أن التعميم الذي يميز القوانين التتي توحدها النظرية قائم على استقراءات ناقصة؟ ألا ينبغي القول أن معيار صلاحية النظرية هو قابليتها للتكذيب وصمودها في وجه اختبارات ممحصة تستهدف تزييفها باستمرار؟
ولكن لماذا تطرح الإبستملوجيا، أصلا، السؤال حول علمية النظريات ؟
عندما ترغب في تمييز العلم عن اللاعلم
يظهر ذلك عند الوضعيين في رغبتهم تمييز العلم عن الميتافيزيقا
وكذا عند كارل بوبر في رغبته تمييز العلم عن أشباه العلم مثل الماركسية والتحليل النفسي
1- تكمن صلاحية النظرية العلمية في اجتيازها الناجح لاختبار التحقق التجريبي
يتحدد معيار صلاحيتها انطلاقا من وظيفتها: لايقبل دوهيم كغيره من الوضعيين إسناد مهمة التفسير للنظرية، لأن التفسير -كما يدل على ذلك الأصل اللاتيني لهذه الكلمة - يقتضي من النظرية أن تكشف النقاب عن الواقع الحقيقي الذي يتوارى خلف المظاهر التي تكممها وتربط بينها القوانين التجريبية. وبذلك تقع النظرية تحت سلطان الميتافيزيقا!!
إذا لم يكن درو النظرية هو التفسير فمادورها إذن؟
يتوقف دور نظرية عليمة جديرة بهذا النعت عند مستوى الوصف، بحيث تعبر بأكبر مايمكن من الدقة والبساطة عن مجموعة من القوانين التجريبية، وبذلك
فإن مهمة النظرية الفيزيائية ووظيفتها هي اقتصاد المجهود الذهني ، وإضفاء النظام على القوانين التجريبية ، وجعلها أسهل تناولا .ولو أخدنا فيزياء البصريات على سبيل المثال، سنجد أن الاختزال والبساطة توجدان على مستوى القانون التجريبيي ذاته الذي يقيم علاقة رياضية بين الشعاع الساقط والشعاع المرتد والمستوى، مختزلا بذلك حالات إنعكاس الضوء اللامتناهية، ثم يزداد التوحيد والتبسيط مع النظرية البصرية therie optique التي تجمع مختلف قوانين الظواهر البصرية
إذا صح أن النظرية وصفية، فمامن شك في أن معيار صلاحيتها يتحدد أساسا في تطابقها مع ماتدعي وصفه ، أي في اجتيازها الناجح لاختبار التحقق التجريبي؛ بيد أن دوهيم لايهمل معيار الاتساق المنطقي في مرحلة الصياغة والمعالجة الرياضية لمبادئ ومكونات النظرية وربط الفرضيات بالمبادئ...، بيد أن قيمة هذا الاتساق تتحدد في نهاية المطاف بمدى تطابق النتائج مع القوانين التجريبية آخدين بعين الاعتبار ماتسمح به أدوات القياس من دقة نسبية. .
نص بيير دوهيم: وظيفة النظرية العلمية هو الوصف ومعيار صلاحيتها تطابقها مع ما تصف
نبدأ أولا بفحص الموقف الذي يجعل من التفسير غاية النظرية
الأصل اللاتيني لكلمة تفسير يعني تعرية الواقع من المظاهر التي تحجبه لرؤيته مباشرة وجها لوجه
[بيد أن ] ملاحظة الظواهر الفيزيائية لاتضعنا أمام واقع يختبئ خلف المظاهر الحسية، بل أمام هذه المظاهر نفسها منظورا إليها من زاوية خاصة وملموسة. والقوانين التجريبية لاتستهدف [حقيقة] الواقع المادي،بل هذه النظاهر نفسها لكن بشكل مجرد وعام
(...)
لو قبلنا أن النظرية الفيزيائية تفسير، فلن تبلغ هذه النظرية هدفها مالم تزح جانبا كل المظاهر الحسية لتمسك بالواقع الفيزيائي [الحقيقي[ وهكذا فأبحاصث نيوتن حول تشتت الضوء مثلا
‏إن اعتبار النظرية الفيزيائية كتفسير افتراضي للواقع المادي يترتب عنه جعل هذه النظرية تابعة للميتافيزيقا ، وبذلك فعوضا عن إعطائها شكلا تقبله مجموعة كبيرة من المفكرين، فإننا نجعل القبول مقتصرا على أو لئلك الذين يعترفون
‏بالفلسفة التي تدعي هذه النظرية الفيزيائية الانتماء إليها (...)
‏ألا يمكننا أن نعين للنظرية الفيزيائية موضوعا تصبر بمقتضاه مستقلة آعن كل ميتافيزيقا ؟ (...)
‏ألا يمكننا ، لبناء نظرية فيزيائية، إيجاد منهج مكتف بذاته ؟ (...)
‏إن النظرية الفيرياثية ليست تفسيرا . إنها نسق من القضايا الرياضية المسنبئطة من عدد قليل من المبادئ، غايتها أن تمثل تماما وببساطة، وبصورة صحيحة، ما أمكن ذلك، مجموع القوانين التحريية. ولتدقيق هذا التعريف نقوم بتحديد خصائص العمليات المتتالية الأربع التي تكون النظرية الفزيائية :
‏ا . من بين الخصائص الفيزيائية التي نقترح عرضها ، نختار تلك التي ننظر إليها كخصائص بسيطة والتي من المفروض أن تكون الخصائص الأخرى عبارة عن تجميعات أوتركيبات لها . وسنقابلها ، وذلك باستعمال طرق قياس ملآثمة، بما يناسبها من رموز رياضية، وأعداد، ومقادير. هذه الرموز الرياضية ليست لها أية علاقة طبيعية مع الخصائص التي تمثلها ، وانما لها معها علاقة دال بمدلول، وبواسطة طرق القياس يمكننا أن نقابل كل حالة فيزيائية بقيمة للرمز الممثل لها
‏والعكس بالعكس.
2 ‏. نربط بين مختلف أنواع المقادير التي أدخلت هكذا بواسطة عدد قليل من القضايا تسختدم كمبادئ لاستئنطاتها ، هذه المبادئ يمكن تسميتها فرضيات، بالمعنى الأصلي للكلمة، لأنها في الحقيقة أسس سيقوم عليها بناء النظرية . لكنها لا تدعي بأي حال من الأحوال التعبير عن العلاقات الحقيقية بين الخصائص الواقعية للأجسام. هذه القضايا يمكن إذن أن توضع بطريقة اعتباطية. والحاجز الوحيد الذي لا يمكن تخطيه مطلقا هو التناقض المنطقي إما بين ‏حدود نفس الفرضية، واما بين مختلف فرضيات نفس النظرية.
3 ‏. إن مختلف مبادئ وفرضيات نظرية ما تتركب فيما بينها حسب قواعد الاستنباط الرياضي، وخلال هذه العملية لا يكون العالم الفيزيائي مطالبا إلا بإرضاء مقتضيات المنطق الجبري. إن المقادير التي تقع عليها حسابات العالم الفيزيائي المذكور لا تدعي بتاتا أنها وقائع فزيائية، والمبادئ التي يستند إليها في استنباطاته لا يمكن أخذها على أنها تعبير عن علاقات حقيقية بين هذه الوقائع. فغير مهم إذن أن تكون العمليات التي ينجزها تتناسب أولا تتناسب مع التغييرات الفزيائية الواقعية (...)
4 ‏. إن مختلف النتائج التي استخرجناها هكذا من الفرضيات يمكن ترجمتها إلى ما يناسبها من أحكام تتعلق ‏بالخصائص الفزيائية للأجسام ؛ والمناهج الخاصة بتعريف وقياس هذه الخصائص الفيزيائية تكون بمثابة اللغة أو المفتاح الذي يسمح بتلك الترجمة، هذه الأحكام نقارنها مع القوانين التجريبية التي تروم النظرية تمثيلها ، فإذا توافقت الأحكام مع القوانين تكون النظرية قد أصابت هدفها وأثبتت صلاحيتها ، والا كانت غير صالحة ومن ثم وجب تعديلها أو رفضها .
‏وهكذا فالنظرية الصحيحة ليست كك التي تعطي عن المظاهر الفيزيائية تفسيرا مطابقا للواقع، بل النظرية الصحيحة هي التي تعبر بطريقة مرضية عن مجموعة من القوانين التجريبية. والنظرية الفاسدة ليست محاولة تفسيرية معتمدة على فرضيات مناقضة للواقع، بل هي عبارة عن مجموعة قضايا لا تتوافق مع القوانين التجريبية
‏إن الاتفاق مع التجربة يشكل بالنسبة للنظرية الفيزيائية المعيار الوحيد للحقيقة.
‏إن التعريف الذي قمنا بعرضه بصفة مجملة يميز في النظرية الفيزيائية أربع عمليات أساسية.
‏( . تعريف المقادير الفيزيائية وقياسها .
2 ‏. اختبار الفرضيات.
3 ‏. الاستنتاجات الرياضية من النظرية.
4 ‏. مقارنة النظرية بالتجربة.

‏بيير دوهيم النظرية الفيزيائية موصوعها وبنياتها منشورات ريفيير 1914 ص ص. 23-26 ‏

1- تكمن صلاحية النظرية العلمية في قابليتها للتكذيب
يبدو معيار الاختبارية أو التحقق التجريبي معيارا مقبولا لولا أن تاريخ العلم نفسه يشهد بأن هذا الشرط لاتستوفيه النظريات العلمية دوما
يرى كارل بوبر أن الوقائع لا تفرز النظريات بل تحد من عددها، أي تكشف زيف النظريات الخاطئة أكثر مما تكشف صحة التظريات الصحيحة. وتلتقي هذه الفكرة مع ملاحظة إينشتاين مفادها أن التجربة تجيب دائما على الأسئلة التي نطرحها عليها بــ "لا" وأحيانا "ربما"
ويتلخص مبدأ قابلية التكذيب في أن كل تعميم علمي ( تجريبي ) ـ فرضا كان أو نظرية أو نسقا ـ يعتمد على استقراءات ناقصة غير تامة، فيكون قابلا للتكذيب من حيث المبدأ ، طالما أنه من الممكن منطقيا ، وجود قضية أو عدة قضايا تجريبية ، تند عن ذلك التعميم أو لا تكون مواتية له ، بحيث لو صدقت لاستلزم ذلك كذب التعميم. وهكذا فعبارة "كل البجع أبيض" الصادقة في حالات كثيرة لاتستبعد منطقيا إمكانية العثور على بجعة سوداء تزيف ذلك التعميم .
وطالما أن النظريات العلمية هي من قبيل التعميمات الكلية ، فلا يمكن منطقيا البرهنة على صحتها ، ولكن يمكن فقط إظهار أنها كاذبة . واختبار النظرية إنما يعني وضعها موضع المخاطرة . والمخاطرة لا تكمن في التنبؤ إيجابيا بوقائع معينة، بل استبعاد حدوث وقائع أخرى باعتبارها غير ممكنة الوقوع فإذا ما حدث عكس ذلك بالفعل، فانه ينبغي في هذه الحالة رفض النظرية أو إعادة صياغتها من جديد.
إن النظرية لاتكون علمية إلا إذا تضمنت تنبؤا بإمكانية حدوث وقائع معينة واستبعادا لحدوث وقائع أخرى ؛ بمعى آخر ينبغي أن تنص النظرية العلمية على أن طائفة من الوقائع لايمكن أن تحدث
ولو حدثت هذه الوقائع فذلك يعني تزييف النظرية
وهذا شر ط لاتستوفيه نظريتا التحليل النفسي والماركسية مثلا لأنهما تسعيان إلى إدماج وتأويل كل الوقائع الممكنة تحت معطف النظرية، بحيث لاتوجد واقعة تند عن التفسير الذي تقترحه مثل هذه النظريات
نص كارل بوبر : معيار قابلية التكذيب
أن كل عالم يدعي أن الملاحظة أو التجربة تدعم نظريته يجب أن يكون على استعداد لأن يطرح على نفسه السؤال التالي: هل أستطيع وصف أي نتائج محتملة للملاحظة أو التجربة، والتي إذا بلغناها بالفعل، يمكن أن تفند نظريتي ؟ ‏إذا لم يكن هذا ممكنا، فمن الواضح أن نظريتي ليست نظرية تجريبية.أنه إذا اتفقت كل الملاحظات المتصورة مع نظريتي، فلن يجوز لي حينئذ الزعم.بأن أي ملاحظة معينة تعطي تدعيما تجريبيا لنظريتي. أو باختصار، لن أستطيع الزعم بأن نظريتي لها خاصية النظرية التجريبية، إلا إذا كنت أستطيع أن أقول كيف يمكن تفنيد نظريتي أو تكذيبهإ (01)ء .
وهذا المعيار للتمييز بين النظريات التجريبية والنظريات اللاتجريبية قد أطلقت عليه أيضا معيار القابلية للتكذيب أو معيار القابلية للتفنيد . ولا يتضمن هذا أن النظريات غير القابلة للتفنيد كاذبة. ولا يتضمن أنها خلو من المعنى. على أنه يتضمن أن نظرية معينة تعد واقعة خارج مجال العلم التجريبي، قدر ما لا تستطيع وصف كيف يمكن أن يأتي التفنيد المحتمل لها.
‏معيار القابلية للتفنيد أو القابلية للتكذيب يمكن أيضا أن نطلق عليه معيار القابلية للاختبار. ذلك أن اختبار النظرية، تماما كاختبار جزء من آلة ميكانيكية، يعني محاولة تبين العيب فيها . وبالتالي، فإن النظرية التي نعرف مقدما أنه لا يمكن تبيان العيب فيها أو تفنيدها هي نظرية غير قابلة للاختبار (02)ء. ‏وينبغي أن نستبين بجلاء أن هناك أمثلة عديدة في تاريخ العلم لنظريات تكون غير قابلة للاختبار في مراحل معينة من تطور العلم لكنها تغدو قابلة للاختبار في مرحلة لاحقة (03)ء
(...)
‏إن معيار القابلية للتفنيد، أو القابلية للتكذيب، أو القابلية للاختبار مجرد خطوة أولى لحل مشكلة بيكون.(04) وكما رأينا ، تقطع هذه الخطوة بأن يسأل العالم الذي يدعي أن الملاحظة أو التجربة تدعم نظريته: هل نظريتك قابلة للتفنيد؟ وما هي التجربة أو الملاحظة التي قد تتوقعها كتفنيد لها ؟
‏إذا كانت الإجابة عن هذين السؤالين مرضية؟ حينئذ، وحينئذ فقط ‏يمكن أن نستأنف المسير لقطع الخطوة الثانية في حلنا لمشكلة بيكون إنها تتلخص في الآتي: يمكن قبول الملاحظات أو التجارب كتأكيد للنظرية (أو الفرض، أو التقرير العلمي) فقط إذا كانت هذه الملاحظات أو التجارب اختبارات قاسية للنظرية، أو، بعبارة أخرى، فقط إذا ما كانت قد نجعت عن محاولات جادة لتفنيد النظرية، وخصوصا عن محاولة اكتشاف العيوب حيثما نتوقعها في ضوء معارفنا بأسرها، بما فيها معارفنا بالنظريات المنافسة. وأعتقد أن هذا، من حيث المبدأ ، يحل مشكلة بيكون.
‏يتلخص الحل في الآتي: الاتفاق بين النظرية والملاحظة لا يعد شيئا ما لم تكن النظرية قابلة للاختبار،(05) وما لم يكن الاتفاق قد تم التوصل إليه كنتيجة لمحاولات جادة لاختبار النظرية. على أن اختبار النظرية يعني محاولة إيجاد نقاط الضعف فيها . إنه يعني محاولة تفنيدها . وتكون النظرية قابلة للاختبار إذا كانت (من حيث المبدأ) قابلة للتفنيد (06)ء

كارل بوبر، أسطورة الإطار ترجمة يمنى طريف الخولي ، سلسلة عالم المعرفة ع292 يناير 2003 الكويت ص ص 115-117

للإطلاع على نصوص قصيرة إضافية لكارل بوبر تساعد على فهم هذا النص ، اضغط هنـــــــا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lmin.1fr1.net
 
النظرية والتجربة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى ثانوية موسى بن نصير : عالم من التميز والابداع  :: منتديات الفلسفة :: فضاء السنة الثانية من سلك البكالوريا-
انتقل الى: